الشعارات الدينية.. تدليس إجرامىبقلم : محمد البرغوثي
بتاريخ 11/11/2011
لم يعد أمام التيارات الدينية التى تخوض الانتخابات البرلمانية غير إطلاق فتاوى صريحة تقضى بتكفير المرشحين المنافسين وإهدار دمائهم واستحلال أموالهم وأعراضهم، حتى تنتبه اللجنة القضائية العليا للانتخابات إلى الجرائم السياسية والأخلاقية التى تمارسها هذه التيارات فى حق المجتمع كله.
وصباح أمس الخميس، أدلى المستشار عبدالمعز إبراهيم، رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، بتصريحات لـ«الأهرام»، تبدو من الوهلة الأولى قوية وصارمة، وتعطى انطباعاً عاماً بأن هناك من يراقب أساليب الدعاية الانتخابية، ويستعد لإحالة المخالفين إلى التحقيق.. لكن القراءة المتأنية لتصريحات الرجل تفضى إلى مزيد من الحيرة ومزيد من إضاعة الوقت فى التركيز فقط على عدم جواز استخدام شعار «الإسلام هو الحل» فى الدعاية الانتخابية.
أما الأخطر فى تصريحات رئيس اللجنة القضائية، فهو حديثه عن أن اللجنة ليست غافلة عما يتم إنفاقه من أموال مشبوهة على الدعاية الانتخابية، وتأكيده أن اللجنة لديها أجهزة رقابية «تمكنت خلال الأيام القليلة الماضية من ضبط أموال تم توظيفها فى الدعاية لتيارات سياسية بعينها، مخترقة بذلك القواعد المقررة بحكم القانون، واتخذت معها الإجراءات القانونية بتحويلها إلى جهات التحقيق، وعندما يتم الانتهاء من التحقيق ستعلن الحقائق على الرأى العام ويحاسب الذين استفادوا منها وفق القانون، واللجنة لن تتهاون مع هؤلاء، وستكون يدها قوية فى محاسبتهم حتى تقى المجتمع شرورهم».
والمعنى الواضح من تصريحات المستشار «عبدالمعز» هو أننا أمام أموال مشبوهة تُنفق بسخاء على تيار سياسى محدد لتمكينه من اختطاف البرلمان المقبل واختطاف الثورة، تمهيداً للسيطرة الكاملة على الوطن كله، ولكن اللافت فى الأمر هو أن رئيس اللجنة ألقى بالتهمة دون تحديد طبيعة التيار الذى يتلقى أموالاً مشبوهة، على الرغم من أن المجتمع كله يعرف التيارات التى تنفق على الدعاية الانتخابية ببذخ مفرط، ويرى هذه التيارات وهى تحشد آلاف الفقراء فى المناطق الشعبية وتشحنهم فى وسائل النقل الخاصة إلى الساحات والميادين وتوزع عليهم كراتين السلع الغذائية، ولم يعد هناك مواطن واحد لم يسمع الخطب الدينية التى تنطوى على تدليس كاذب وتضليل فاضح، وهى تصور الانتخابات على أنها حرب بين فسطاطين: فسطاط الإيمان الذى تمثله التيارات الدينية، وفسطاط الكفر والفسوق والتحلل الأخلاقى الذى تمثله التيارات الليبرالية.
لقد أصبح استخدام الدين فى تضليل الرأى العام واختطاف البرلمان واضحاً للجميع، والتركيز فقط على استخدام شعار «الإسلام هو الحل» لم يعد مجدياً، بعد أن لجأت جماعة الإخوان المسلمين إلى حيلة تبدو قانونية، حيث قامت بتعليق لافتات تحمل الشعار الممنوع، إلى جوار لافتات مرشحى حزب «الحرية والعدالة» التى تحمل شعار «نحمل الخير لمصر»، وهى تقصد بذلك إصراراً غير أمين على استخدام شعار دينى فى انتخابات سياسية، لكن بطريقة تمثل تحايلاً على القانون.
والمؤكد أن اللجنة القضائية العليا للانتخابات ليست فى حاجة إلى الوقوف طويلاً أمام هذا التلاعب فى استخدام شعار «الإسلام هو الحل»، وبإمكانها الآن أن تحيل قيادات الإخوان إلى تحقيق عاجل بتهمة استخدام شعار دينى فى انتخابات يقولون إنهم ليسوا شركاء فيها، والأهم من ذلك أن اللجنة العليا التى يقول رئيسها إن لديها أجهزة رقابية، بإمكانها أن تسجل خطب التيارات الدينية فى المؤتمرات الانتخابية، وسوف تعثر فوراً على مخالفات فاضحة، بل على جرائم ترتكب عشرات المرات يومياً فى حق هذا البلد.
والمحصلة أن الحديث المتكرر لرئيس اللجنة عن أن هناك قانوناً ينبغى أن يحترم، لن ينقذ هذا البلد من التخريب والتدمير الذى ستؤدى إليه «فتاوى التيارات الدينية عن الانتخابات»، ولكن تطبيق القانون فوراً وبصرامة هو المنقذ الوحيد.. وإذا سارعت اللجنة بتحديد مصادر الأموال المشبوهة وتحديد المتلقين لهذه الأموال، وإحالة مستخدمى التيارات الدينية لتحقيق عاجل، واتخاذ قرار صارم بشأنهم، فسوف ننجو من المصير الكارثى الذى تقودنا إليه هذه التيارات الظلامية.
المصري اليوم