كلمة شرف !!

كلمة شرف

بقلم / محمد سعيد محفوظ
المصري اليوم
Mon, 11/07/2011

ابتسم اللواء منصور عيسوى عندما سألته المذيعة: متى ستستجيب لوعد رئيس الوزراء بإقالة الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين؟

قال بهدوء بالغ: إن حركة تنقلات الشرطة ستصدر على أى حال بعد أسابيع!

انتفضت المذيعة وزميلها، وقالا بصوت واحد: ولكن الدكتور عصام شرف تعهد بتنفيذ مطالب الثوار بلا أى تأجيل!

فأرخى الوزير جفنيه، وقال مصطنعاً الجدية: خلاص.. عُلِم! سأله المذيعان: وينفذ؟ أجاب بنفس الابتسامة: فى موعده!

شعرت أن وزير الداخلية كان متضرراً من ضغط الثوار على رئيس الحكومة والمجلس العسكرى، وأنه قَبِل على مضض دراسة مطلبهم العادل بإقالة المتورطين فى جرائم قتل وفساد من وزارته.. شعرت أنه لا يرغب فى امتصاص غضب الشعب بنفس الإرادة التى انطوى عليها بيان رئيس الوزراء.. شعرت أنه يخفى ضغينة لميدان التحرير، الذى التف فيه المعتصمون ظهر الجمعة حول مطلب واحد، هو محاسبته على الفشل فى استعادة الأمن، والتستر على القتلة والبلطجية. ما الذى يملكه الضباط المتهمون فى جرائم قتل لوزير الداخلية كى يرغموه على حمايتهم، والدفاع عنهم حتى الرمق الأخير؟ لماذا يصر على نبذ الشرعية الثورية، ومعاملتهم بالقانون؟ كيف يسد أذنيه عن صيحات الملايين المنادية بتطبيق العدل؟ كيف يستخف ببيان رئيس الوزراء، ولا يبدى جدية فى تنفيذ بنوده فوراً؟

هذه ليست أجواء التفاعل مع ثورة شعبية كاسحة كتلك التى تشهدها مصر منذ 25 يناير.. هذه تيارات خرجت من رحم الثورة، وارتدت ثوبها، ورددت شعاراتها، والآن تعمل ضدها، وتهدم فى أساسها وبنيتها.. هذه الحكومة مكتوفة الأيدى، لا تستطيع إنفاذ كلمتها، ولا تحقيق وعودها.. نريد حكومة قوية، فاعلة، تملى كلمتها على وزرائها، وترغمهم على تنفيذ برامجها وخططها وأهدافها.

لقد انكشف خروج وزير الداخلية عن الصف، وارتداده عن عقيدة الثورة، فى مشهد لم يتعد ثوانى، أعقب بيان رئيس الوزراء.. عندما لم يعبر بحماس وإرادة عن نية مخلصة لتنفيذ مطالب الثوار.. وهو يعلم أنها مطالب مشروعة، فإذا لم يكن يعلم فتلك مصيبة أخرى!

نريد أن نعرف ماذا يدور خلف أسوار وزارة الداخلية.. من يؤثر على من؟ ومن يبتز من؟ وماذا جرى لأدلة الإدانة فى جرائم قتل المتظاهرين؟ وما هى السلطات التى أعطيت لهؤلاء الذين يواجهون اتهامات بالقتل، وما زالت مقاليد الأمن فى أيديهم؟ ومن منهم استطاع أن يطمس الأدلة، ويتوعد الشهود، ويشوّه مسرح الجريمة؟ نريد أن نعرف لماذا يبقى هؤلاء فى مواقعهم؟ وبأى قانون يعاملهم وزير الداخلية؟ هل هناك قانون يسمح بهذه المفارقة المعيبة؟ هل يمكن مع هذه الازدواجية فى المعايير أن يثق المواطن فى أجهزة الأمن؟ هل يمكن بهذا الوضع أن تعود الطمأنينة للشارع؟

على الدكتور عصام شرف بعد أن شاهد عدم جدية وزير داخليته ببيان «تلبية المطالب» أن يصدر بياناً آخر بإقالة لوبى الفساد من هذه الوزارة بنفسه، ولا ينتظر صدور القرار من وزير يقف فى جزيرة معزولة، ولا يحترم مشاعر المصريين، ولا يرغب للبلاد أن تتوضأ من الإجرام والفساد.

ننتظر وزيراً مدنياً للداخلية من ناشطى حقوق الإنسان، على غرار تعيين وزير للإعلام من بين الصحفيين.. ننتظر من «شرف» كلمة تعيد للثورة كرامتها.. وللشارع المصرى استقراره وأمانه.