مفتاح السِّر: «صول» بقلم
فاطمة ناعوت ٣/ ١٠/ ٢٠١١
فى عصور الهمجية الأولى كانت الـ«أنا» هى
السيد، و الــ«هو»، أو الآخر بوجه عام، غير موجود إلا كعدو أو منافس فى
الرزق. لهذا كان الرجلان يقتتلان على طائر، أو امرأة، أو حتى عصا يُتَوكأ
عليها. قد يقتتل رجلٌ وابنُه، أو رجلٌ وامرأتُه، أو امرأةٌ وابنتها. لا
يهمّ. فمبدأ الحياة: «أنا، ومن بعدى الطوفان»، قائمٌ على الصراع بين: (أنا)
و(هو)، وانتصارُ أحدهما يعنى بالضرورة فناءَ الآخر. ثم بدأ الإنسان «يعقل»
ويتحضّر تدريجيًّا، حين اكتشف أن أمنَه الشخصىَّ مرهونٌ بأمن الآخر
وحمايته، لكى يتحدا معًا ضدّ عدو أشرس منهما، هو: الطبيعة وأهوالها. على أن
الإنسانَ ظلَّ على همجيته البدائية فى أن «يفكر» فى أمر،
ثم «يقرر»
أمرًا، ثم «ينفذ» بيديه هذا الأمر. وتنامى التطوّر عبر ملايين السنين حتى
وصل الإنسانُ إلى صيغة تنادى بالفصل الحاسم بين المراحل الثلاث: التفكير-
القرار- التنفيذ. واستقرّ الرأىُ على وجود جهات سيادية عُليا ثلاث:
(تشريعية-التفكير، قضائية- القرار، تنفيذية- التنفيذ)- أى الشرطة. وهنا
بدأت المدنية، ومفهوم دولة المؤسسات،
ومجتمعات تقدّسُ مبادئ حقوق
الإنسان واحترامه. وكانت هى الصيغة التى اتفقت عليها دولُ العالم «العاقلة»
التى قرر مواطنوها وحكّامُها أن ينظّموا حياتهم على النحو الذى ينأى بهم
أقصى الإمكان عن الهمجية التى عاشها الإنسانُ الأول قبل المدنية والتحضّر.
وبتلك الصيغة (وحدها)، تفرّغ الإنسانُ للعلم والابتكار حتى وصل إلى ما نحن
فيه من تطوّر يُمكّننى الآن من كتابة مقالى على شاشة صغيرة، ثم إرسالها عبر
الهواء، لتصل إلى القراء الكرام فى كل أنحاء العالم.
وفى اللحظة
التى يغزو فيها الغربُ الكواكبَ الأخرى بصواريخَ فاقت سرعتُها سرعةَ الصوت،
ويجهدون فى حلّ لغز سرعة الضوء، فى اللحظة ذاتها التى حقق فيها الغربُ
ثورته الفكرية والتكنولوجية الكبرى، التى جعلت الكونَ كله بين أصابع طفل فى
شريحة صغيرة فى حجم «عُقلة الإصبع»، فى تلك اللحظة ذاتها، يذهب إنسانٌ آخر
إلى أحد «المشايخ» ليسأله: هل يدخل الحمّامَ بقدمه اليمنى أم اليسرى؟ وهل
صوتُ المرأة عورة أم شعرُها فقط؟ ويُفتى شيخٌ بأن قتلَ الناس وإحراق بيوتهم
ودور عبادتهم هو الطريق إلى الله(!) تعالى عن ذلك عُلوًّا كبيرًا. نسألُ
اللهَ ألا يحاسبنا بما يفعل السفهاءُ منّا.
يقول محافظ أسوان المحترم
إن الأقباط أخطأوا، لأن كنيسة ماريناب زادت أربعة أمتار ارتفاعًا. وما
فعله «شبابُنا المحترمون»، من هدم وإحراق وترويع للآمنين، هو تصحيحٌ لهذا
الخطأ!! وبعيدًا عن غرائبية نعت عُصبة من الخارجين على القانون بمفردة:
«شبابنا»، فإن السيد المحافظ يجهضُ، بكل بساطة، كفاحَ البشرية الطويل من
أجل فصل السلطات الثلاث. فجعل التشريعَ، والقضاءَ والتنفيذَ، معًا، فى قبضة
«شبابنا»!!
نحن إذن بإزاء سقوط الدولة المصرية والعودة بها إلى
عصور الهمجية الأولى. تنبأتُ بهذا فى مقال سابق عنوانه: «مصرُ بلا كنائس،
ذلك أفضل جدًا»، بتاريخ: ٩/٥/٢٠١١،
دولة القانون انهارت يومَ
تهاونتِ الحكومةُ والمجلسُ العسكرى فى القبض على هادمى كنيسة «صول»،
والاكتفاء بجلسة عُرفية تشبه «قُبلة يهوذا» أسفرت عن مصالحة الأقباط بإعادة
بناء الكنيسة! والأقباط طيبون تكفيهم كلمة: «آسف»، حتى وإن كان الجرمُ
تفجير كنيسة أو قتل مُصلّين أو قطع أُذُنٍ لا تسمع الكلام، أو رجم رجل
بتهمة أنه مسيحى. اطرحوا المجرمين أرضًا، يصفُ لكم وجهُ مصر!
المصري اليوم