أثق بالجيش
نوارة نجم
بتاريخ : 18/11/2011
ستدُوَّن ثورتنا فى كتب التاريخ، وسيُكتَب فصل كامل عنوانه «أثق
بالجيش»، وسيُسرَد فيه كل التصريحات المتعلقة بالثقة بالجيش، «أنا أثق
بالجيش»، «لازم نثق فى الجيش يا جماعة»، «انتو مش واثقين فينا؟».. هو
جوزنا؟ طيب حتى لو كان زوجنا، مَن تلك البلهاء التى تثق بزوجها؟
استخدام هذه العبارة يدل على عدم وجود أدلة ملموسة على تحقيق مطالب
الثورة، التى لم تتحقق بعد مرور عشرة أشهر من اندلاعها. ثم دخلنا فى جدل
سفسطائى حول الفرق ما بين الجيش والمجلس، ثم انشغلنا فى نقاش عقيم حول ما
إذا كانت المطالب تحقق بين يوم وليلة أم بين أسبوع وشهر أم بين سنة وعشر
سنوات، ثم عرّجنا من ذلك على البحث فى نيات المجلس العسكرى، وهل «هو يقصد»
أم «مايقصدش»، وقد يكون «مرتبكا» وربما يكون «متعمدا»، حتى بلغ الأمر
بالبعض طرح التساؤل «هو بيحبنا ولا مابيحبناش؟» طب «هو مبسوط بالثورة ولّا
مش مبسوط؟»، كل ذلك والنظام القديم الذى كانت قد أسقطته الثورة يعيد
إنتاج نفسه بذات المعايير، وينزل العنوان الرئيسى فى الأهرام «دعم كامل
لوزارة الداخلية لتأمين الانتخابات»… هايل.. وكيف يكون هذا الدعم؟ أنزل
إلى الشارع فى نفس اليوم لأجد لجان تفتيش فى مدينة القاهرة فى كل شبر منها،
حيث تقف الشرطة فى محاولة بائسة لاستعادة عنجهيتها مدعومة بعناصر من
التحريات العسكرية، وحين أعترض يعلق البعض قائلا: «معلش ما هو على قد فهمهم
لموضوع عودة الشرطة»!
أنا ما لى أنا؟ أنا ما لى أنت تثق بالجيش أم لا تثق به؟ وما لى إن كان
الجيش يختلف عن المجلس أم أنهما لُحمة واحدة؟ وما لى إن كانت نيته حسنة أم
سيئة؟ وما لى هو مبسوط ولّا متضايق؟ هو الجيش طالب إيد مصر وإحنا بنسأل
عليه قبل ما نديها له؟
كان يا ما كان، نظام استبدادى، فاسد، عميل لأمريكا وإسرائيل، يكره
المصريين، ويحقِّر من شأنهم، ويجعلهم عبرة لكل من يعتبر، سواء بالداخل أو
الخارج، وكان المصرى منكّس الرأس، خاوى البطن، يرتعد حين يرى بزة الشرطى،
يهاجر من بلاده طلبا للرزق ولا يمر من الشارع الكائن فيه مبنى سفارته،
قووووم، ثار المصريون، وكانت ثورتهم مستلهمة من ثورة تونس، ولم تشارك
القوى السياسية -التى تتقاسم الكعكة الآن- فى هذه الثورة، بل وعمد الكثير
منهم إلى تسفيه أولئك الشباب الذين يظنون أن الثورة تقوم بـ«إيفينت على
الفيسبوك»، بل إنهم حين رأوا الناس قد نزلت بأعداد هائلة فى يوم 25 يناير،
سارعوا فى محاولات لإحباط تلك الثورة وأعلنوا أن مطالب التظاهرات فى يوم
25 يناير هى إسقاط حبيب العادلى! طب وانت ما لك يا حاج؟ وحين وجدوا إصرار
الناس على شعار «إسقاط النظام» أعلنوا انضمامهم إلى الثورة، ثم ذهبوا خلسة
للتفاوض مع عمر سليمان.. بتتفاوض على إيه يا حاج؟ وبعد أن ارتكبنا خطيئة
العودة إلى ديارنا فى يوم 12 فبراير، حاول من صنعوا الثورة أن ينقلوا
ثورتهم إلى المصانع والمؤسسات، فخرج علينا ذات الناس مؤكدين أن تلك
الثورات الصغيرة لتطهير جيوب النظام ما هى إلا تحركات «فئوية» يقوم بها
الحزب الوطنى! طب وإنت إيش دخلك يا عم؟ هو أنت عارف وين الله حاطك؟ ثم
انبروا يتعاركون ويتنازعون فى ما بينهم حول إشكالية سفيهة تحاكى فى
تفاهتها ضحالة طموحاتهم: الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟ وظل الخط
الدرامى يتصاعد ويتطور حتى نجحوا فى تنحية صناع الثورة ومطالب الملايين من
الناس التى ترغب فى عيش كريم وحرية وكرامة وطنية، وانفردوا بالكادر يدفع
كل منهم الآخر بكتفه ليظهر فى الصورة وهو يجلس بجوار المجلس العسكرى فى
الكوشة: وثيقة السلمى حلوة، لا وثيقة السلمى وحشة! يحاول بعضهم الانفراد
بيوم 18 نوفمبر مؤكدا أن الليلة ليلته والفرح فرحه ليستخدم ذلك فى الضغط
على المجلس العسكرى، ويحاول البعض الآخر أن يثنى الناس عن النزول فى ذات
اليوم لأن «النزول من غير سبب قلة أدب».. انتو مالكو؟ هذه ثورة شعب لها
أهداف والواقع يقول إن أهدافها لم تتحقق، وما نتج عن هذه الثورة هو تحسن
أحوال مؤسسة الجيش سياسيا واقتصاديا وتدهور أحوال الشعب الذى قام بالثورة
بتعريضه لعقوبة جماعية من المحاربة فى الرزق، والتهديد فى لقمة العيش،
والمحاكمات العسكرية، لأنه تجرأ على أسياده وقام بثورة، هىّ الناس كانت
بتموت عشان الجيش يقف يتفرج وفى الآخر يحكم البلد ومرتباتهم تزيد
وتتعاركوا أنتم على السلطة بينما يعانى الشعب من انتشار البلطجة ووقف
الحال؟
هش.. هش.. هش من هنا